نصيحةُ الضعيفِ

بقلم: محمد سعيد المولوي
رسومات: George Pontino, Jr

معلا في أطرافِ الغابةِ صياحُ الديكِ: إنَّ جميعَ الحيواناتِ مدعوّةٌ للاجتماعِ في ساحةِ الغابةِ لمناقشةِ أوضاعِها، فقد زادَ في الغابةِ قتلُ الحيواناتِ من قِبَلِ الإنسانِ ومن قِبَلِ بعضِها بعضًا. انتشرتْ دعوةُ الديكِ في الغابةِ، وتوافدتِ الْحيواناتُ إلى الساحةِ حتى امتلأتْ، وارتفعتِ الْأصواتُ فبدأَ الديكُ بالترحيبِ بالحاضرين، وراحَ يتحدثُ عمَّا يعانيهِ معَ عائلةِ الدجاجِ من جورِ الإنسانِ، وهجومِ الكلابِ والثعالبِ والطيورِ الجوارحِ. لكنَّ الثعلبَ وقفَ محتجًا، لأن الدجاجَ ليسَ الوحيدَ الذي يقعُ عليه الأذى، فإن الحيواناتِ الجارحةَ الكبيرةَ تهاجمُه، كما أن الإنسانَ لا يتأخرُ عن قتلِ الثعالبِ للاستفادةِ من جلودِها، وأن ما يساعدُ الإنسانَ هذه الأسلحةُ الناريةُ. وصاحَ الذئبُ غاضبًا: إن الثعلبَ حيوانٌ كاذبٌ ماكرٌ خدّاعٌ، وإن الحيواناتِ الجارحةَ الكبيرةَ تجدُ ما تأكلُ وليستْ بحاجةٍ إلى هذا الجسمِ الهزيلِ. وبينما اشتدَّ النزاعُ بين الثعلبِ والذئبِ دوى صوتٌ قويٌّ مع زئيرٍ اهتزتْ له أرجاءُ الغابةِ، وكان ذلك صوتَ الأسدِ الذي قالَ إنكُم لا تقدِّرون المقاماتِ والمراتبَ. فأنا الأسدُ سيدُ الغابةِ، ويجبُ أن تكونَ الكلمةُ لي، وأن تسمعوا كلامي، وتطيعوا أوامري. وتصدَّى الفيلُ للأسدِ وقالَ: إنكَ سميتَ نفسكَ سيدَ الغابةِ ولستَ بسيدِها. فأنا أستطيعُ أنْ أحملكَ بخرطومِي، وأنْ أجذبَ بك الأرضَ. فأنا سيدُ الغابةِ بحقٍّ. وفجأةً قفزَ في وجهِ الفيلِ جرذٌ صغيرٌ ففرَّ الفيلُ خائفًا، وصاحَ فيه الجرذُ: ألم تتدعِ أنكَ سيدُ الغابةِ وازدهيتَ بجسمِك الكبيرِ وخرطومِك الطويلِ، وها أنت تخافُ منِّي، وكلُّ مَنْ في الغابةِ يعلمُ أنَّ الفيلَ يخافُ من الجرذِ؟! فكان حريًا بك أن تتواضعَ وألا تدعِي أنكَ سيدُ الغابةِ. وهنا تحركَ الدبُّ مُزَمْجِرًا: الحقيقةُ أن سيدَ الغابةِ هو أنا. فإنَّ ضربةً واحدةً من يدي كافيةٌ لقتلِ إنسانٍ. وتثاءبَ النمرُ وقالَ: أنت تدعِي ما تقولُ مع أنكَ تنامُ فصلَ الشتاءِ كلّه، فكيفَ تكونُ سيدًا وأنت نائمٌ عن شؤونِ الرعيةِ؟! وتعالتِ الْأصواتُ بالموافقةِ على اعتراضِ النمرِ. وسُمعَ صوتٌ مزعجٌ وغريبٌ من جانبِ الساحةِ فإذا هو صوتُ الضبعِ. والتفتَ الجميعُ يستطلعون شأنَه، فإذا هو يطالبُ بأنْ يكونَ رئيسًا للحيواناتِ. وفجأةً هبطَ النسرُ بأجنحتِه الطويلةِ وقالَ: أنا أعْرَفُ الطيورِ بكَ، فإنك دائمًا تقفُ إلى جانبي حين آكلُ وتحاولُ سرقةَ طعامِي، وأنت يعسرُ عليك الصيدُ وحدَكَ. فأنا قادرٌ على أنْ أصطادَ غزالاً، أو خروفًا، أو خنزيرًا مائيًا، وأنْ أرتفعَ به في الجوِّ، وأنت لا تأكلُ إلا اللحومَ الفاسدةَ والمقرفةَ. كان موقفُ النسرِ فاتحةً لبابِ جدالٍ طويلٍ، فقد أصبحَ كلُّ واحدٍ من الحاضرين يطالبُ بسيادتِهِ على جميعِ الحيواناتِ. فالنمرُ من جانبٍ، والفهدُ من جانبٍ، والتمساحُ من الماءِ.. وهكذا فكلُّ واحدٍ من الحيواناتِ رفعَ صوتَه يدَّعِي أنَّه أحقُّ بالسيادةِ. وفي خِضَمِّ هذه الفوضَى تقدمتْ سلحفاةٌ مسنّةٌ فصعدتْ على ربوةٍ وهي تقولُ: اسمعوني فعندي كلمةُ الفصلِ. واتجهتِ الْأنظارُ إليها، وخفتتِ الْأصواتُ يريدُ الجميعُ أن يسمعَ ما تقولُهُ السلحفاةُ. حيَّتِ السلحفاةُ الحضورَ وطرحتْ سؤالاً: لماذا خلقنَا اللهُ تعالى؟ وما هي العلاقةُ بيننا؟ فلم يجبْ أحدٌ. فتابعتْ وقالتْ: إن اللهَ خلقنَا لعبادتِه، وعبادتُه تنفيذُ ما أمرنا به وما وهبَ كلاً منّا من خصائصَ ومميزاتٍ، وجعلَ الإنسانَ سيدَ المخلوقاتِ، وسخرها لمنفعتِه، وأعطى كلَّ واحدٍ من خلقِه، نباتًا كان أو حيوانًا أو إنسانًا، دورًا في الحياةِ، وجعلَ بين هذهِ الأصنافِ الثلاثةِ علاقةَ الحياةِ والموتِ. فالحيواناتُ تأكلُ النباتاتِ، ويأكلُ بعضُها بعضًا. والإنسانُ يأكلُ النباتاتِ والحيواناتِ. وهذا يدلُّ على أنَّ كلَّ ما في الكونِ مسخرٌ للإنسانِ، وأنَّ مهمةَ الإنسانِ طاعةُ اللهِ عزَّ وجلَّ. ونظَّمَ اللهُ الكونَ على هذهِ الشاكلةِ.. فلماذا تتعبون أنفسَكُم في نقاشٍ لا جدوى منه؟! فإذا أردتُم النجاحَ فاجعلوا أمورَكم كلَّها طاعةً للهِ عزَّ وجلَّ، وتنفيذًا لأوامرِه، ولا تتعبوا أنفسَكم، وعيشوا حياتَكم كما هي، ودعوا عنكم الجدلَ والنقاشَ. فما فائدةُ أن يكونَ أحدٌ سيدَ الغابةِ وهو مسيَّرٌ لما خلقَه اللهُ عليه؟! وعلتْ أصواتُ الحيواناتِ باستحسانِ ما ذكرتْ، وقالوا: نحيا على مشيئةِ اللهِ تعالى، ونموتُ على مشيئةِ اللهِ تعالى.